بسم الله الرحمن الرحيم
الذين تكلموا في المهد
هل تعرف من هم الذين تكلموا في المهد؟ ما عددهم؟ ما قصصهم؟ و ما الحكمة التي جعلت المولي عز و جل ينطقهم و هم في المهد؟
هناك أقوال كثيره في عددهم: فأقوال عن كونهم أربعة و أخري تحصيهم سبعة لكن ما ورد منهم في القرآن الكريم و السنة الصحيحة هم أربعة فقط. واحد فقط ذكر في القرآن الكريم و هو
المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام
و ثلاثة ذكروا في السنة الصحيحة عن حبيبنا محمد صلي الله عليه و سلم و هم
غلام جريج و غلام أصحاب الأخدود و غلام ماشطة بنت فرعون.
وراء كل غلام منهم قصة عظيمة و حكمه إلهيه نوجزها في السطور التالية لنري كيف يدافع المولي عز و جل عن الذين أمنوا و كيف يثبت القلوب العامرة باليقين.
الأول: المسيح عيسي ابن مريم عليه السلام
.و كلنا يعرف قصة المسيح فقد سردها لنا المولي عز و جل في نظم قرآني رائع في صورة مريم. و كلنا يعرف كيف نطق المسيح و هو في المهد ليبرأ أمه الطاهرة التي اصطفاها المولي عز و جل و طهرها و اصطفاها علي نساء العالمين. و لأنها أخلصت للمولي عز و جل و قنتت و سجدت و ركعت مع الراكعين فقد دافع عنها سبحانه و تعالي عندما اتهمها قومها بالزنى (( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا* يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء و ما كانت أمك بغيا)) صدق الله العظيم و أنطق لها و ليدها ليبرأها و ينفي عنها أي شبهة و أي اتهام ((فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا* قال إني عبد الله آتاني الكتاب و جعلني نبيا* و جعلني مباركا أينما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا* و برا بوالدتي و لم يجعلني جبار شقيا* والسلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيا*ذلك عيسي ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون))صدق الله العظيم.
يااااااا الله نطق الوليد للحظات ليبرأ أمه أمام قومها و يبشرهم بقدومه نبيا مرسلا إليهم بعد مروره بمراحل عمره العادية كأي غلام أخر . أي معجزة هذه و أي إنصاف لمريم هذا؟!.
ياااااااا الله لو لم ينطق الله الوليد هل كانوا سيصدقون أمه مهما كانت حجم البينه التي ستأتي لهم بها أم ستظل أمام الجميع بغيا؟ هل يستطيع أي عقل أن يصدق أن تلد أي امرأة وليدا بدون زوج؟ هل كانت ستستطيع مريم أن تحي وسط قومها بهذا الوليد بدون إظهار براءتها؟ قطعا لن تستطيع و لن تسلم من أذاهم. لذلك كان لا بد من التدخل الإلهي لتبرئة مريم الطاهرة المخلصة لله. و علي قدر البلاء يكون الإنصاف من المولي عز و جل.
فإذا لم ينطق الله المسيح هل كان أي عقل يستطيع أن يصدق أن مريم طاهرة؟! لكنه جزاء الإخلاص (( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ", جزاء التقوى "و من يتق الله يجعل له مخرجا)), جزاء نصرة الله في الدنيا (( إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم)). فمريم أخلصت لله عز و جل فدافع الله عنها و أنصفها بمعجزة تتزلزل لها القلوب. فلنخلص جميعا للمولي عز و جل و لنراقبه في السر و العلن لنجده دائما إلى جوارنا مدافعا عنا مثبتا لنا في الدنيا و في الآخره.
الثاني: غلام جريج
من كان جريج؟ و لماذا أنطق الله له غلاما في المهد؟
جريج كان عابدا من عباد بني إسرائيل اشتهر بين قومه بالورع و التقوى و كان يتعبد في صومعة فوق جبل بعيدا عن الناس جاءته أمه يوما فطلبته و هو يصلي فلما سمعها قال يا رب أمي و صلاتي؟ ثم أكمل صلاته.
فجاءته في اليوم التالي فلما سمعها قال يا رب أمي و صلاتي؟ ثم أكمل صلاته.
. فجاءته للمرة الثالثة فلما سمعها قال يا رب أمي و صلاتي؟ ثم أكمل صلاته.
فقالت أمه اللهم لا تميتنه قبل أن يري عيون الموميسات "البغايا" ثم انطلقت. و كانت إحدى الموميسات تحب راعيا للغنم يرعي بالقرب من صومعة جريج فوقع بها فحملت منه فلما انكشف أمرها و سألها قومها عن والد الغلام قالت هو غلام جريج. فانطلق الناس إلى جريج فهدموا عليه صومعته و جاءوا به ليقتصوا منه و جاءوا له بالغلام ووجهوا إليه تهمة الزني و أشاروا إلى الباغية فاضطر للنظر إليها.
ياااااااا الله هذه دعوة أمه تستجاب فيه و يري جريج الراهب العابد عيون الموميسات, درس لا ينسي لجريج ليعرف حق أمه عليه و وجوب إجابتها متي هي دعت.
أرأيت فضل الأم و حق أجابتها متي طلبت, أرأيت خطورة دعوتها إن هي دعت عليك مهما كان فضلك ومهما كانت طاعتك و قربك من الله, فاحذر غضب أمك".
هذا درس كان يجب علي جريج أن يتعلمه, و لكن أيتخلى الله عنه و هو العبد المخلص و يتركه يواجه تهمة زور كهذه؟ و كيف المخرج من تلك التهمه التي لصقت به للأبد؟ فمهما يقسم لهم لن يصدقوه حتى لو برأته المرأة الباغية فستظل هناك شبهه تحوم حوله و ستظل صورته مهزوزة في عيونهم إذن لا بد من تدخل إلهي عاجل لتبرأ ساحة جريج مما نسب إليه. و هذا هو ما حدث فبعدما وجهوا لجريج تلك التهمة و هموا بتنفيذ الحكم قال لهم أمهلوني أصلي لربي ركعات ثم افعلوا ما شئتم فصلي جريج ثم اتجه إليهم و قال أعطوني الغلام و بكل ثقة منبعها الإيمان و شدة اليقين بالله عز و جل أمسك جريج الغلام و قال له "ابن من أنت أيها الغلام؟" فيرد الغلام أمام الجميع ليظهر الحقيقة و يبرأ ساحة جريج فيقول "أنا ابن الراعي". ياااااا الله هذه هي النصرة و هذا هو الدفاع من العزيز المقتدر لأحباءه و مريديه.
" ليتنا نقوي اليقين و الإيمان في قلوبنا ليدافع عنا المولي عز و جل و ينصرنا و يعلي شأننا كما أعلي شأن جريج الذي حملوه علي الأعناق".
الثالث: غلام أصحاب الأخدود
كلنا يعرف قصة أصحاب الأخدود, قصة الملك المتكبر الذي اغتر بنفسه و ملكه فاستخف قومه فأطاعوه و ادعي لنفسه الألوهية فعبدوه من دون الله و استعان بساحر مخضرم ليمكن له ملكه ببعض أعمال السحر فسحروا أعين الناس و استرهبوهم. و استتب له ملكه إلى أن أحس الساحر العجوز بتقدم سنه و دنو أجله فطلب من الملك أن يحضر له غلاما صغيرا لم يتجاوز العاشرة من عمره و حدد له بعض صفات هذا الغلام لتساعده في البحث عنه. فأحضر الملك الغلام و كان غلاما ذكيا فطنا استطاع أن يتعلم فنون السحر من الساحر العجوز فكان يأتيه كل صباح ثم يعود لبيته مساءا. و في طريق العودة لاحظ الغلام صومعة لراهب و لاحظ بعض الناس يقصدونها و يستمعون إليه. فساقه فضوله للاستماع لما يقوله الراهب فلاقي قبولا في نفسه و أحس بارتياح لكلامه لكنه أحس بحيرة شديدة بين ما يقوله الراهب و ما يقوله الساحر, فالراهب يدعو إلى إله واحد خالق قادر يدرك و لا يدرك كل الكون يسير بإمرته و في المقابل يدعو الساحر إلى عبادة الملك و يرجع كل الخوارق إلى قوة السحر. ماذا يفعل الغلام؟ انه حائر بين فطرته الطاهرة التي تهفو لكلام الراهب و بين عقله الذي يميل قليلا لما يقوله الساحر. و ظل الغلام فترة من الوقت حائرا بين قلبه و عقله لكنه يميل أكثر إلى الراهب. و لكن ماذا يفعل الغلام لإنهاء تلك الحيرة . و لأن فطرته سليمة نقيه فقد جاءه ما يؤكد له صدق الراهب من المولي عز و جل. فقد هاجمت إحدى الدواب مدينتهم و أخذت تدمر كل شئ أمامها فلم يجد الملك الإله! غير الساحر العجوز ليستعين به في القضاء علي تلك الدابة لكن سحره فشل في القضاء عليها. في الجانب الآخر كانت فرصه للغلام لإنهاء حيرته. فأمسك الغلام بحجر صغير و قذف به الدابة و قال بسم الله رب الراهب إن كان الراهب علي حق فلتمت الدابة بهذا الحجر.
ياااااااا الله حجر صغير كهذا يقتل الدابة التي عجز الجميع عن قتلها, و لكن لأن الغلام عنده فطرة نقيه و فطنة و ذكاء فانه فطن إلى أن الدابة لم تمت من الحجر بل أماتها رب الراهب القادر المقتدر علي كل شئ. عندئذ أيقن الغلام أنه لا يوجد إله غير إله الراهب فقال آمنت بإله الراهب.
"أرأيت كيف يساند الله من يعمل عقله و يبحث عن الحقيقة و كيف يقف إلى جواره و ييسر له السبل للوصول بفطرته السليمة إلى بداية الطريق الذي سيجد في نهايته الخير الكثير و يعرف الحقيقة التي لا يعدلها حقيقة, فليبحث كل منا بداخله عن الخير و العدل و الطمأنينة و الإيمان و اليقين لتستقيم حياته و يهنأ بها و ليثق بأن الله سييسر له أمره ".
بعدما شاهد الناس قتل الغلام للدابة فقد افتتنوا كثيرا به و أحذوا يقصدونه في كثير من حوائجهم فما كان من الغلام إلا أن يدعوا الله لهم فتقضي حوائجهم. فذاع صيت الغلام و أعمل عقله و أخذ يدعوهم إلى عبادة الله و ترك عبادة الملك إلى أن اشتكي أحد جلساء الملك مرضا في عينه فقصد الغلام فما كان من الغلام إلا أن وضع يده علي عين الرجل و قال بسم الله فبرأت عيناه. فقال له الرجل إله غير الملك؟ فقال له الغلام نعم فذكر الرجل ذلك عند الملك فأخذته العزة بالإثم و أحضر الغلام و كل من آمن معه و طلب منهم العودة لعبادته فأبوا. فأمر بقتلهم و إمعانا في العذاب أمر بشقهم نصفين فصبروا جميعا فكانت لهم أجر الشهادة.
و عندما هم بقتل الغلام نصحه الساحر العجوز أن يتخلص منه بعيدا عن أعين الناس. فأمر الملك حراسه بتقييد الغلام و قذفه من أعلي قمة الجبل فأخذه الحراس و صعدوا به قمة الجبل و عندما هموا أن يقذفوه قال ((اللهم أكفينهم بما شئت و كيف شئت وأنت علي كل شئ قدير)).
تذكر هذا الدعاء دائما ليكفيك الله شر من حولك
فزلزل الله الجبل فسقطوا جميعا من عليه و نجي الله الغلام فعاد للملك فأمر الحراس بتقيده و وضعه في سفينة فإذا ما وصلوا إلى عرض البحر قذفوه يواجه الموج فذهبوا به و عندما هموا أن يقذفوه دعي نفس الدعاء فأغرقهم الله جميعا و نجي الغلام فعاد مرة أخري للملك. فاشتعل الملك غيظا و قال له لا بد من قتلك فقال له الغلام إذا أردت قتلي فاجمع الناس و اصلبني علي شئ مرتفع ليشاهدوني جميعا ثم امسك بأحد سهامك و صوب جهة صدغي و قل "بسم الله رب الغلام" ثم أطلق السهم. فاجتمع الناس و أحذ الملك السهم و قال أمام الجميع "بسم الله رب الغلام" و أطلق السهم فمات الغلام فما كان من الناس إلا أن قالوا جميعا "أمنا برب الغلام".
ياااااااااااا الله أمنوا جميعا في لحظه إيمانا قويا قائما علي يقين قوي بعظمة رب الغلام.
انظر إلى قوة إيمان الغلام و كيف أقبل علي الموت بدون تردد و انظر إلى فطنته و ذكاءه و فدائيته عندما ضحي بحياته و جعلها ثمنا زهيدا مقابل إيمانهم إيمانا قويا لا يتزعزع. و في المقابل انظر إلى غباء الملك كيف قدم لهم أكبر دليل علي مقدرة و عظمة رب الغلام, و تذكر دائما أن الدعوة تحتاج لفطنه و ذكاء و تضحية و اعلم أن الإيمان القوي يجعل الحياة تهون من أجل إعلان كلمة الله.
جن جنون الملك عندما وجد هذا الإيمان الجماعي و حاول إقصاءهم فأبوا فحفر لهم الخنادق "حفر كبيره في الأرض" و أشعل فيها النيران و أخذ يخيرهم فمن يأبي يقذفه فيها و هو حي ((قتل أصحاب الأخدود* النار ذات الوقود* إذ هم عليها قعود* و هم علي ما يفعلون بالمؤمنين شهود* و ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد)) صدق الله العظيم
من بين هؤلاء المؤمنين كانت هناك امرأة تحمل رضيعها فعندما خيروها خافت علي وليدها و لأنه سبحانه عليم بقوة إيمانها و بقوة خوفها علي وليدها و لانه أحن منها عليه كان لا بد من معجزة قوية تثبت تلك المؤمنة. و هل هناك أقوي من أن ينطق الرضيع بين يديها قائلا "اثبتي يا أمااااااه إنك علي الحق" فهوت به في النار راضية مطمئنة.
ياااااا الله من غيرك يرأف بتلك الأم و يطمئنها علي وليدها بتلك المعجزة الخارقة انه أنت يا رباه من يرأف بالجميع
انظر كيف يثبت الله عباده إذا علم في قلوبهم خيرا و كيف تهون الحياة إذا قوي اليقين فاجعل في قلبك خيرا كثيرا لتضمن وقوف الله دائما إلى جوارك.
الرابع: ابن ماشطة بنت فرعون
ماشطة بنت فرعون, إمرأه من بني إسرائيل آمنت مع من آمنوا مع موسى عليه السلام و أخلصت في إيمانها و كانت تعمل في قصر فرعون تمشط شعر ابنته و ذات يوم و هي تمشط شعر الفتاه سقط منها المشط علي الأرض فهمت بالتقاطه قائلة بسم الله فقالت لها الفتاه أهو أبي "فكلنا يعرف أن فرعون قال لقومه أنا ربكم الأعلى" فأجابتها بأنه الله الواحد القهار و أنه ليس أبوها فنقلت الفتاه ما سمعته لأبيها الذي هيأ له غروره أنه إله و استخف من حوله فصدقوه إنهم كانوا قوما فاسقين أي أنهم كانوا أشد منه فسوقا عندما أطاعوه و جعلوه يتمادي في طغيانه.
عندما سمع كلام ابنته جن جنونه و أرسل في طلب الماشطة و سألها و عندما تأكد من إيمانها أراد أن يرجعها عنه فأبت فهيأ له غروره أن يسيمها سوء العذاب لتعود عن ما هي عليه فأوقد نارا و وضع علي النار قدرا كبيرا و وضع في القدر نحاس و أخذت النار تستعر و النحاس ينصهر و إمعانا منه في عذابها أحضر أبناءها و وضعهم واحدا تلو الآخر في القدر.
يااااااا الله ما هذا الهوان أم تري فلذات أكبادها يصهرون أمامها و لا تقوي علي فعل شئ, أم تشاهد أبناءها يتألمون و بكلمة منها تستطيع إنقاذهم و يمنعها الإيمان, يمنعها اليقين, يمنعها الحياء من الله الحياء من أن ترتد عن الإيمان به و تعبد جبارا متكبرا كهذا. سقط الأبناء جميعهم أمامها و قلبها ينفطر من الألم حتى جاء الدور علي الوليد الذي ما زال في المهد و الذي يتألم بين يديها ماذا تفعل أتتركه يواجه مصير اخوته أم تتراجع لتنقذه من عذاب لن يقوي عليه. تسربت الحيرة في قلب تلك المرأة المؤمنة ماذا تفعل؟. و يجئ الإنصاف و الحل سريعا من المولي عز و جل فينطق الرضيع بين يدي أمه و يقول لها "اثبتي يا أمااااه انك علي الحق".
يااااا الله ما تلك العظمة و الرأفة و الحنان الذي يأتي من قبل المولي عز و جل في تلك اللحظات الحرجة ليثبت عباده الذين آمنوا به و لم يلبسوا إيمانهم بظلم. هذا هو جزاء التقوي و الإيمان فإذا بالمرأة المؤمنة التي كانت منذ لحظات تنفطر حزنا و قلقا علي وليدها تقذف بنفسها و وليدها في القدر لايمانها أنها علي الحق.
هؤلاء هم من تكلموا في المهد و تلك قصصهم و في تلك القصص عبرة لمن أراد أن يعتبر. أناس آمنوا فنفعهم إيمانهم ووجدوا الله تعالي واقفا إلى جوارهم في أحلك لحظات حياتهم.
فلنراقب الله في السر و العلن لنجده معنا في الدنيا و الآخرة.
و لنسأل أنفسنا قبل أن نسئل و لنحاسبها قبل أن نحاسب.
و لنتحري الحلال و الحرام و نبتعد عن الشبهات.
ليوفقنا الله في الدنيا و الآخرة.
الأربعاء أغسطس 13, 2008 2:39 am
